هل النفوس حواسد والعيون أواذى؟
تشيع بيننا خرافات كثيرة منها :
خرافة العيون التى تؤذى من تنظر له وهو ما يعنى :
أن البعض لديه معجزة وهو أن عينيه لها قدرة خارقة حيث تمرض السليم وتقتل الإنسان
وهو كلام لا يمت للعلم بصلة والعلم به عند المسلمين شامل فكل الروايات التى ذكرت فى تلك العيون تكذب كتاب الله فى أن الله منع الآيات وهى المعجزات عن الناس ابتداء من عهد النبى(ص) حيث قال :
" وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"
ومن ثم لا وجود لتلك العيون الأواذى تلك العيون التى تملك قدرة خارقة على إصابة البعض بالأمراض وبالموت
وعندما تتعارض الروايات المنسوبة للنبى(ص) مع كتاب الله فعلى المسلم أن يوقن أن الرسول(ص) لم يقل شىء منها
عندما تشيع أى خرافة فى المجتمع فعلى الإنسان أن يبحث عن المستفيد منها فسيجد أنهم هم من وراء إثبات تلك الخرافة
كمثال :
عندما تجد هناك من يشيع أن البيت الفلانى به جن يسكنه فعلى الفور علينا أن نبحث عمن يستفيد من تلك الاشاعة التى لا وجود لها فمن يسكن البيوت هم الإنس وليس الجن
إن المستفيد هو من يرتكب خطأ يريد أن يخفيه فقد يكون يخفى مخدرات فى البيت أو يجعله مخزن لمسروقاته أو يزنى مع رجل أو امرأة فى ذلك البيت أو يريد أن يشتريه من صاحبه برخص التراب كما نقول
لا توجد خرافة تروج فى مجتمع إلا وخلفها من ينال منافع منها وخرافة العيون يستفيد منها من يسمونهم الرقاة والمشعوذين فهم إما يستفيدون مال من أهل من يسمونه المعيون وإما يستفيدون متعة أخرى كالنظر المحرم أو اغتصاب المعيون أو النظر للعورات المحرمة
بالطبع بناء على الخرافة شاعت رواية تقول أن العين تغلب القدر وهى
" العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين "
هل تعرف أيها المسلم ما معنى أن العين تغلب القدر أى تسبقه ؟
معناه أن الإنسان المعيون يغلب القدرة الإلهية التى قدرت القدر؟
هل أنت أيها الإنسان تصدق أن المخلوق يغلب الخالق ؟
هل بلغت بنا الحماقة أن نكذب قوله سبحانه :
"وما أنتم بمعجزين فى الأرض ولا فى السماء وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير"
الله هو الغالب القهار لا يغلبه شىء فى الأرض ولا فى السماء
عندما تشيع الخرافة فى مجتمع ما تحاول أن تتخذ من الدين وسيلة للوصول إلى نفوس الناس كى يصدقوها ومن ثم تجد الحكايات تنتقل من واحد أخر مثل فلان يحكى أن فلان شاهد فلان فوقع ساكتا أو أصابه المرض
إنها عملية ربط بين إنسان وحوادث لا صلة بينها فعندما يقع شىء سيىء تظن أن هذا هو الشخص هو السبب فيها فسبب مرض الفرد هو فيروس أو بكتيريا أو عدوى أو أكل طعام أو شراب معين .. وليس نظر واحد له وعندما يحدث شىء أخر ضار فى وجود نفس الشخص على الفور تربط بين الضرر ووجود الشخص وهو ربط خاطىء فنسميه صاحب العين المقورة او الصفراء أو الضارة
فليأخذ كل واحد أو واحدة منا نفسه كم مرة مرض ابنه أو ابنته أو أمه وأباه أو أخوه أو أخته وهو موجود سيجد أنه تواجد عشرات المرات ومع هذا لم يربط مرة نفسه بتلك الحوادث رغم أنها أكثر من وجود أبو عين صفراء أو العين الضارة بمرات كثيرة
إنه هذا الربط لا علاقة لها بالعلم لأننا نحكم على هوانا فمرتين أو ثلاثة هى عين ضارة بينما وجودنا عشرات المرات أثناء مرض أقاربنا ليس عين ضارة
تعالوا نسير معا مع تلك الخرافة:
لو سلمنا بوجود تلك القدرة الخارقة للعين فما هو حاجتنا إلى أن نطيع قوله سبحانه :
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة"
فبدلا من إعداد السلاح والتدريب البدنى والقوى الاقتصادية وغيرهم سنجمع أصحاب العيون الضارة أمام العدو ونقول لهم انظروا لجنود العدو وساعتها ينهزم العدو بدون خسائر؟
هل يمكن أن ننتصر بهذه الخرافة ونعصى الله بإعداد القوة للعدو؟
بالطبع لا
دعونا نسير مع الإيمان بتلك الخرافة وإلى ماذا تجرنا ؟
كل واحد مظلوم يستأجر صاحب العين أو يطلب منه دون مقابل أن ينتقم له من ظالمه بإمراضه أو إماتته
إذا ما الحاجة إلى العفو عن الظالم أو قتاله لأخذ الحق كما قال سبحانه:
" وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به"
لو سلمنا بتلك الخرافة فمعناها أن أصحاب العيون الضارة هم من سيتولون الحكم بحكم أنهم قادرون على إصابة أى أحد بالمرض أو الموت ولكن ما الحال بعد أن يمرضوا ويقتلوا كل الحكام ؟
النتيجة هى حرب فيما بينهم على الكرسى فسيقتلون بعضهم البعض
إن الخرافة تجرنا إلى الجنون
تعالوا نناقش الروايات ونأخذ مثلا الرواية التالية :
7616 - أخبرنا قتيبة بن سعيد قال قال مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع عن بن القاسم عن مالك عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اعتل أبي سهل بن حنيف فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد فقال له عامر ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء فوعك سهل مكانه فاشتد وعكه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره أن سهلا وعك غير قادر أن يرفع رأسه يا رسول الله فأتاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم على ما يقتل أحدكم أخاه في حديث الحارث ألا بركت إن العين حق توضأ فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس به بأس رواه النسائى "
السؤال الذى يجب أن نسأله هل كان سهل مريضا قبل النظر أو بعده أول كلمة فى الرواية تقول:
" اعتل أبى سهل" وهذا معناه أن الرجل كان مريضا أى معلولا قبل أن ينظر له عامر
ومع هذا كلمة عامر هى التى أمرضته "فقال له عامر ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء"
هنا الرجل حسده أو ضربه العين فى جلده ومع هذا فالإصابة لم تكن فى الجلد وإنما كانت فى الرأس حيث سهل لا يقدر على رفع رأسه حيث قال " فأخبره أن سهلا وعك غير قادر أن يرفع رأسه"
أرأيتم استغفال وضحك على القارىء أكثر من هذا ضربه العين فى الجلد ومع هذا كانت الإصابة فى الرأس
نفس الحكاية رويت بطريقة أخرى تبين إلى أى مدى بلغ استخفاف الرواة بعقولنا فالرجل ذهب مع الرجل إلى بركة ماء مستترة وهو معنى الخمر كالخمار الذى يغطى الرقبة والرأس
عامر ضرب سهل العين فوقع ولم ينطق أى كلمة وهو فى أى موضع ؟ إنه فى الماء ومن فى الماء إذا وقع سيغرق ومع هذا فعامر ذهب وأحضر الرسول(ص) حتى ضرب سهل على صدره فكم من الوقت استغرق الرجل فى الذهاب والمجىء
لو افترضنا أنها عدة دقائق لأنهما خرجا وحدهما أى بعيدا عن البقية" خرجت أنا وسهل بن حنيف"فلابد أن يموت سهل غريقا لأنهما كان فى الماء بدليل أن الرسول(ص) خاض فى الماء كاشفا ساقيه" فكأني أنظر إلى وضح ساقي النبي"
الغريب فى الرواية أن عامر أصاب سهل ولم يصب النبى(ص) رغم أنه نظر لساقيه والرواية هى :
10872 - أخبرنا أحمد بن سليمان قال حدثنا معاوية بن هشام عن عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن أمية بن أبي هند قال قال لنا أبو عبد الرحمن كذا قال عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال خرجت أنا وسهل بن حنيف نلتمس الخمر فأصبنا غديرا خمرا فكان أحدنا يستحي أن يتجرد وأحد يراه فاستتر حتى إذا رأى أن قد فعل نزع جبة صوف عليه فأعجبني خلقه فأصبته بعين فأخذته قعقعة فدعوته فلم يجبني فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم فأخبرته فقال قوموا بنا فرفع عن ساقيه حتى خاض إليه الماء فكأني أنظر إلى وضح ساقي النبي صلى الله عليه و سلم فضرب صدره فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئا يعجبه فليدع بالبركة فإن العين حق رواه النسائى"
الأغرب فى الروايات هو أن القائل وهو ليس النبى(ص) طلب ممن ينظر لشىء كالمال أو الإنسان أن يدعو بالبركة مع أن القرآن علمنا أن الناظر عليه أن يقول :
ما شاء الله لا قوة إلا بالله كما فى قصة صاحب الجنتين:
"ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله"
وإذا سرنا مع الروايات سنجد أن علاج المرض الكاذب الذى تسببت فيه العين الكاذبة ليس علاجا طبيا وإنما الرقية وهنا مربط الفرس لأن الرقية تتطلب راقى مثل رواية :
5406 - عن عائشة رضي الله عنها قالت أمرني رسول الله صلى الله عليه و سلم أو أمر أن يسترقى من العين رواه البخارى
5409 - حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه قال سألت عائشة عن الرقية من الحمة فقالت : رخص النبي صلى الله عليه و سلم في الرقية من كل ذي حمة رواه البخارى
5773- [56-...] وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَدَّادٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ رواه مسلم
5775- [58-...] وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، عَنْ سُفْيَانَ (ح) وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَنَا حَسَنٌ ، وَهُوَ ابْنُ صَالِحٍ ، كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : رَخَّصَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ ، وَالْحُمَةِ ، وَالنَّمْلَةِ رواه مسلم"
ما هو مربط الفرس فى تلك الروايات :
إنها الرقية التى تتطلب رقاة يستخلون بالمحسود وهو المريض بالعين وهذا الاستخلاء أحدث الكثير من المصائب التى عرفت والتى لم تعرف كالاغتصاب وضرب المرضى والتحسيس المحرم كما أحدث الحماقة الأخرى وهو اكرام الراقى بالمال
الأغرب أن هذه الروايات تتعارض مع روايات التداوى عند الأطباء :
" تداووا عباد الله فإن لم يجعل داء إلا وله دواء"
هل الحمة أى الحمى وهى المرض التى لها عرض رئيسى هو السخونية تتطلب علاجا طبيا أم علاج بالكلام ؟
هل قرصة النملة تتطلب علاجا طبيا أم كلام ؟
إن القرصة مثل لدغة الثعبان مثل لسعة العقرب تحتاج علاجا طبيا كالأمصال والمراهم
والأغرب أن تجد رواية تتحدث عن إباحة رقية الحية وهى لدغة الثعبان مع أن المذكورين غير مصابين باللدغ وإنما مصابين بالمرض المزعوم من العين الخارقة المزعومة وهى :
5777- [60-2198] حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، يَقُولُ : رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِآلِ حَزْمٍ فِي رُقْيَةِ الْحَيَّةِ ، وَقَالَ لأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ : مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُمُ الْحَاجَةُ قَالَتْ : لاَ ، وَلَكِنِ الْعَيْنُ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ ، قَالَ : ارْقِيهِمْ قَالَتْ : فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : ارْقِيهِمْ رواه مسلم"
السؤال هل علاج النحافة والهزال هو الكلام أم العلاج الطبى بالغذاء والدواء؟
إن تعارض الروايات وتعارض الكلام فى داخلها مع بعضه يبين أن لنا أن الرواة يظهرون الرسول(ص) فى مظهر الجاهل والعياذ بالله يقول القول وعكسه ومع هذا مطلوب منا أن نلغى كتاب الله ومن ثم نلغى عقولنا فنصدق أن الرجل الذى يطلب الأخذ بالأسباب فى الأمر بالتداوى هو نفسه الذى يأمر بالخرافات والعلاج بالكلام
نصيحة إلى الناس:
لا تصدقوا كل ما يقال إلا بعد دراسة وتمحيص لأن الإسلام هو دين العدل دين العلم