هذه القصة هي قصة نجاح
يحتاج إليهكل منّا حين تواجهه معصية من معاصي السر أو العلانية؛
كيف يواجهها؟,
كيفيفكّر حين تلح عليه؟،
كيف يحصّن نفسه؟، كيف يتغلب عليها؟.
المواجهة معالمعصية والانتصار عليها في بعض الأحيان تكون صعبة، لكنها مع معصية السر تكون لدىبعض الناس أشد صعوبة، وحين نتأمل في هذه القصة نجد أن هناك قوة عظيمة حين يمتلكهاالقلب ينجح في التغلب على دواعي المعصية، وطردها والانتصار عليها.
والقصةمتكررة، ولها أبطال كثيرون، وبعضهم معروفون، لكن أحداثها متشابهة، تبدأ من الإثارةالتي يواجهها رجل من امرأة بلغت أعلى مراتب الفتنة، من جمال يثير الرغبة، ومال وجاهتهفو إليه النفس، وفوق ذلك هي التي تدعوه إلى نفسها, فأتاحت جميع السبل المحرمةأمام هذا الرجل لإشباع شهوته، وسقطت كل الحواجز بينه وبين المعصية، إلا حاجز واحدحال بينه وبين السقوط، ألا وهو خشية الله تعالى والخوف منه, فقال لها "إني أخاف الله" رواه البخاري ومسلم.
كيف نجح مثلهذا الرجل؟ وما السر وراء ثباته أمام فتنة كهذه؟
أهي تلك الكلمة التي قالها "إني أخاف الله"؟
لا يمكن أن يكون الموضوعبهذه السهولة، فكم من الناس لو سألته هل تخاف الله؟ لقال نعم! لكنه
ساقط فيكثير من المعاصي، لا سيما معاصي السر.
ثبات مثل هذا الرجل وراءه شيء آخرأكبر من مجرد قوله: "إني أخاف الله"، فقوله "إني أخاف الله" هو نتيجة لعملية كبيرةدارت في نفسه، قام فيها صراع بين داعي الهوى، وتزيين الشيطان، وقوة الفتنة، وثورةالشهوة، وبين ما رسخ في قلب هذا الرجل من خشية الله عز وجل، انتصر فيه هذا الرجل منداخله على كل ذلك رافضاً عرض تلك المرأة الفاجرة،
فالله تعالى يراه، ويعلم سرهكما يعلم علانيته،
وهو يحب ربه عز وجل فكيف يرتكب المعصية، كيف يتجرأ على اللهتعالى ولا يخاف غضبه وعقابه، فكانت النتيجة نجاحاً عظيماً في هذا الابتلاء, نطق بهلسانه مُنهياً هجوم المعصية عليه فقال: "إني أخافالله".
وهذا ما نبحث عنه ونريده، خشية الله تعالى في القلب،فخشية الله هي الوقايةمن تلك المعاصي التي كثرتدواعيها ليل نهار،وهي الدواء لتلك المعاصيالتي تصيب القلب أحياناً، من نفاق أو ريـاء أو عُجب أو كبر، أو تلك التيتتجرأ عليها الأبصار أو الألسنة أو الأيدي أو الأرجل خـفية أو علانـية، من تركواجب، أو ارتكاب فاحشة، أو نظر إلى محرّم، أو غيبة ونـميمة، أو غش، أو خيانة، أوتجسس، أو تعد خفي على حقوق الناس، أو اختلاس من أموالهم، أو غير ذلك من معاصي السروالعلانية.
المعصية تجد فرصتها للظهور حين تقوى دواعي الهوى، وتثور شهواتالنفس ونزاواتها، ويشتد تزيين الشيطان، وتخلو النفس حينها من ذكر أو عمل صالح أوممارسة نافعة؛ وتضعف في القلب خشية الله تعالى التي هي سلاح المجاهدة، قال إبراهيمالخواص: "أول الذنب الخطرة، فإن تداركها صاحبهابالكراهية وإلا صارت معارضة، فإن تداركها صاحبها بالرد وإلا صارت وسوسة، فإنتداركها صاحبها بالمجاهدة وإلا هاج منها الشهوة مع طلب الهوى فغـطّى العلم والعقلوالبيان"
ولخشية الله تعالى فضل عظيم، لكن خشية الله تعالى في السرأعظم قدراً من الخشية في العلانية؛ ولهذا خصها الله تعالى بالذكر في عدد من الآياتكما في قوله تعالى: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنبِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [ق : 33] قال القرطبي: "الخشية بالغيب أن تخافه ولم تره. وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حين يراه أحد. وقال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب"، وقالالمناوي: "إن خشية اللّه رأس كل خير، والشـأن في الخشـية في الغيب لمدحـه تعالى منيخافه بالغيب