الجمال فى كتاب الله
عندما يتكلم فرد عن الجمال تنصرف أذهان الناس على الفور إلى الجمال الشكلى وهو ما يسمونه جمال الهيئة أو جمال الجسم ولكن الجمال لا يعنى عند الله هذا المعنى الشائع بين الناس
جمال الشكل:
بالطبع لا يوجد مقياس واحد عند الأفراد البشر للجمال الشكلى بدليل أن العديد منا قد يرى فتاة ما فيقولون عنها وحشة أو قبيحة المنظر أو دميمة ومع هذا تجد إنسان يقول عنها أجمل النساء ويحبها ويتزوجها رغم اعتراضات بعض الناس والعكس قد نجد شابا يقال عنه أنه دميم أو قبيح الشكل ومع هذا نجد أن فتاة ما اختارته زوجا لها وتراه أجمل رجال العالم ومن هنا صدر القول :
مرآة الحب عامية
والقول :
حبك الشىء يعمى ويصم
فسبحان من خلق القلوب وجعلها لا تتفق على الجميل المنظر أو الجميلة الشكل
وبناء على ذلك لا يوجد مقياس للجمال الشكلى متفق عليه وإن كان غالبية البشر اتفقت على ما يسمونه التجميل بالألوان من خلال أدوات الزينة التى يسمونها الماكياج وهو أمر معارض لحكم الله حيث يستجيب البشر لقول الشيطان:
" ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"
فيضعون أحمر الشفاه أو غيره أو الدقيق الذى يسمونه البودرة على الخدود والأظافر الصناعية على الأظافر المخلوقة والرموش الصناعية على أهداب العيون ...
إذا هذا هو ما وصل له الناس فى الجمال الجسدى الإنسانى وليتهم اكتفوا به وإنما تحولوا إلى تجميل الحيوانات كالقطط والكلاب حيث يضعون لهم أدوات تجميل أيضا استجابة لقول الشيطان السابق الذكر
وفى جمال شكلى من نوع أخر اتفقت غالبية البشر على أن التناسق اللونى يجب أن يوجد بين الأثاث ولون الجدران وأن التناسق الحجمى يجب أن يوجد بين الأثاث والناس وحتى بين لون الجدران و الاضاءة
ولكن هذا التناسق خاصة فيما يتعلق بالألوان فى البيوت والملابس يختلف من شعب إلى أخر فتجد الهنود والأفارقة السود مثلا يميلون إلى لون الخضرة والزرقة والحمرة وتجد الشيعة فى العراق وإيران يميلون إلى لبس السواد خاصة فى ألبسة النساء وحتى عهد قريب كان الزى الأزرق هو الزى الرسمى فى الصين نتيجة تبنى الدولة للنهج الشيوعى القائم على حركة التصنيع
وهناك اتفاق بين البشر عموما على جمال شكلى من نوع أخر وهو :
كنس وتنظيف الشوارع حيث إزالة التراب من على أرضية الشارع وكذلك إزالة ما يلقى على هذا الأرضية من ورق أو أكياس أو حجارة فالأرض المكنوسة تعطى منظرا مريحا للنفس وكذلك الأمر فى البيوت
ومن الأقوال فى الجمال القول الشهير :
" إن الله جميل يحب الجمال"
هذه العبارة الشهيرة لو فسرناها بالمعنى الشكلى لكان معناها كفرا لأنها تعنى أن الله له شكل كالخلق وهو ما يعنى أن له حدود وله جسم وهو ما يعنى أن الله يشبه الخلق وهو ما يتعارض مع قوله سبحانه :
" ليس كمثله شىء"
ومن ثم هذه العبارة لا يمكن تفسيرها بالجمال الشكلى وإنما يمكن تفسيرها بمعنى :
إن الله نافع يحب النفع لخلقه
وكلمة جمال وردت مرة فى كتاب الله بهذا المعنى حيث قال سبحانه فى الأنعام :
"ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون"
فمعنى الجمال هنا أن الناس لهم فى الأنعام منافع وهى الفوائد حين يريحون أى وقت يسبتون أى يرقدون والمنفعة أنهم ينامون على جلودها ذات الوبر والشعر والصوف وحين يسرحون والمقصود وقت ينتقلون من مكان لمكان والمنفعة أنها تحملهم إلى المكان الذى يريدون أو تنقل أثقالهم وهى أمتعتهم لحيث يريدون
إذا فجمال الشىء هو منافعه التى جعلها الله فيه وليس منظره لأن الله خلق مناظر مختلفة للشىء الواحد فمثلا بعض الأشجار فى فصل ما تكون أوراقها وثمارها زاهية يستفيد منها الناس وفى فصل أخر تتساقط أوراقها وتذبل غصونها ويصبح منظرها فى نفوس الناس قبيحا لا يسر وقد يستفيدون من ورقها الجاف أو قطع من أغصانها أو لحائها فى شراب أو طعام أو دواء وإلى هذا أشار قوله سبحانه :
"ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع فى الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما"
إذا المنظر الذى يقول عنه البشر قبيحا ودميما ليس عند الله قبيحا ودميما لأن كل ما خلقه حسن كما قال سبحانه:
" الذى أحسن كل شىء خلقه"
فالحسن ليس فى المنظر وحده وإنما هو منافع المخلوق ومنها منظره وهو شكله
بالطبع الجمال لا يقتصر على الشكل والمنظر فى علم الجمال الفلسفى وإنما يمتد لأمور متعددة منها الجمال القولى
الجمال القولى له معانى متعددة عند البشر فهو عند المنافقين كلمات ضخمة تقال فى ارضاء المسلمين وذلك لخداعهم حتى يعجبهم القول كما قال سبحانه فى إعجاب النبى(ص) ببعض أقوالهم :
"ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام "
وهم يهتمون بالمنظر العام للجسم الذى يوحى بأنهم مسلمون كاللحى المهذبة والملابس البيضاء ونظافة الأطراف وهو ما يخدع كما قال سبحانه :
"وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة"
ومن معانى الجمال القولى المذموم :
ما يؤلفه المؤلفون من الكلام المسجوع أو الكلام الذى فيه محسنات بديعية وليس فيه فائدة إلا قليلا وهو معظم الكتب التى تسمى الأدبية خاصة فى أزمان معينة يسمونها عصور الانحطاط
فالجمال فى القول هو أن يكون القول عادلا أى صادقا يوافق حكم الله حتى ولو كان هذا الكلان سبا وشتما من مظلوم لظالم وفى هذا قال سبحانه :
"وإذا قلتم فاعدلوا"
وفى إباحة كلام السوء وهو السب من المظلوم قال سبحانه :
"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
وأحيانا نسمع كلام نقول عنه جميل مع أننا لو فكرنا فيه لوجدناه كلام قبيح لكونه كلام كفر ومن ذلك قول الشاعر :
أعطنى الناى وغنى فالغنا سر الوجود
وأنين الناى يبقى بعد أن يفنى الوجود
فموسيقى الكلام تستطيبه الآذان التى لا يفكر أصحابها فالغناء ليس سر الكون وإنما سر الكون هو أحكام الله التى وضعها للمخلوقات والتى تطيعها والباقى بعد فناء الوجود هو وجه الله وليس أنين الناى كما قال سبحانه :
" كل شىء هالك إلا وجهه"
ومن ذلك قول الشاعر:
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري
أَجَديدٌ أَم قَديمٌ أَنا في هَذا الوُجود
هَل أَنا حُرٌّ طَليقٌ أَم أَسيرٌ في قُيود
هَل أَنا قائِدُ نَفسي في حَياتي أَم مَقود
أَتَمَنّى أَنَّني أَدري وَلَكِن لَستُ أَدري
وَطَريقي ما طَريقي أَطَويلٌ أَم قَصير
هَل أَن أَصعَدُ أَم أَهبِطُ فيه وَأَغور
أَأَنا السائِرُ في الدَربِ أَمِ الدَربُ يَسير
أَم كِلانا واقِف وَالدَهرِ يَجري لَستُ أَدري"
والقصيدة كلها شك فى الوجود وجهل بالخالق وتكذيب لكتاب الله رغم أن الآذان تستطيب ايقاعها وأحيانا تطرب لها النفوس المريضة
إذا الجمال فى أى شىء هو :
أن يكون نافعا مفيدا للإنسان فى حياته سواء كانت الفائدة محسوسة كالأكل والشرب أو معنوية كتعلم حكم من أحكام الله