مراجعة لخطبة عقوق الوالدين موضوع الخطبة هو انتشار عقوق الوالدين فى المجتمعات المعاصرة وقد قال الخطيب فى ابتداء الكلام: "أما بعد .. شكاوى مقلقة .. وأخبار مزعجة .. تتفطر لها القلوب، وترتج لها النفوس، هي نذير شؤم، وعلامة خذلان، يجب على الأمة جميعها أن تتصدى لإصلاحه .. كيف لا، وهذه الشكاوى والأخبار، تتعلق بأعظم الحقوق بعد حق الله تعالى، إنها أخبار عقوق الوالدين . هذا يهجر والده لأتفه سبب .. وأخرى تسب أماه لأنها منعتها من الخروج .. وآخر يتجاوز ذلك بالضرب والتعدي على أمه أو أبيه، وربما تصل القضية إلى حد القتل كما نسمع في بيانات تنفيذ بعض الأحكام ." وتناول الخطيب أمر الله بالبر بالوالدين حيث قال : "عباد الله .. إننا حينما نتحدث عن عقوق الوالدين فإننا نتحدث عن أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، كيف لا يكون كذلك وقد قرن الله برهما بالتوحيد فقال تعالىوقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) . وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللا لهما." وتناول سبب انتشار الظاهرة حيث بين أنه ضعف الإيمان الناتج عن أسباب متعددة حيث قال: "أبناء الإسلام من يتنكر للجميل ويقابل الإحسان بالإساءة بعقوق والديه وإن العاقل ليتساءل: ما سبب انتشار مثل هذه الجرائم؟ لا شك أن من أسباب انتشارها ضعف الإيمان، إذ لا يجرؤ على هذا الأمر إلا من ضعف إيمانه وخوفه من الله، ومن الأسباب كذلك انتشار الفساد والأفلام المقيتة بوجهها الكالح وأفكارها الهدامة التي تفسد الشباب والبنات، وتجرئهم على الآباء والأمهات، ومنها: اختلاط الثقافات وتأثر بعض الناس بحياة الغربي الذي يعيش وحده، ويهجر أسرته وقرابته فلا يراهم إلا في المواسم والأعياد . ولا ننسى كذلك سوء التربية أصلا من الوالدين، فيشب الشاب والفتاة على البعد أو القصور والجفاف في علاقتهما بوالديهما فيكون هذا سببا في العقوق ." والكلام مغلوط فالعقوق يرجه لسبب واحد وهو الكفر بالدين فلا يمكن أن يكون مسلما من يعق والديه لأنه يكذب آيات الله فى البر بهما حتى ولو قال أنه مؤمن وتناول وجوب الإحسان إلى الوالدين جتى ولو كانوا كفرة حيث قال : أيها الأخوة المؤمنون: "ومن عظم حق الوالدين في الإسلام ، أنه قرر برهما وحسن مصاحبتهما بالمعروف، حتى وإن كانا كافرين . فعن أسماء رضي الله عنها قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال: ((نعم، صلي أمك))" والرواية فى القلب شىء ينكرها فزوجة أبو بكر لم تكن مشركة لأن فى الروايات ألأحرى أن أمها جهزت عائشة للدخول على النبى (ص) كزوجة وهى قول صحيح مسلم وسنن ابن ماجة وأبو داود: 3463- عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...قَالَتْ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَوُعِكْتُ شَهْرًا ، فَوَفَى شَعْرِي جُمَيْمَةً ، فَأَتَتْنِي أمى أُمُّ رُومَانَ ، وَأَنَا عَلَى أُرْجُوحَةٍ ، وَمَعِي صَوَاحِبِي ، ...فَأَدْخَلَتْنِي بَيْتًا ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقُلْنَ : عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ ، وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ ، فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ ، فَغَسَلْنَ رَأْسِي وَأَصْلَحْنَنِي ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى ، فَأَسْلَمْنَنِي إِلَيْهِ." والروايات متعارضة وتناول وجوب الإحسان للوالدين حيث قال : "بل أوجب الله تعالى البر بهما، ولو كانا يأمران الولد بالكفر بالله، ويلزمانه بالشرك بالله، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) . فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين الوالدين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به، وهو الإشراك بالله، فما الظن بالوالدين المسلمين سيما إن كانا صالحين، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها، وإن القيام به على وجهه من أصعب الأمور وأعظمها، والموفق من هدي إليه، والمحروم كل المحروم من صرف عنه ." وبعض الخطباء ممن يعتمدون على الروايات فى الفهم المغلوط كالخطيب بين تقديم بر الوالدين على الجهاد حيث قال : "عباد الله .. لقد بلغ من تأكيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حق الوالدين أن جعله مقدما على الجهاد في سبيل الله. ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله)). وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل استأذنه في الجهاد: ((أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)) [رواه البخاري]." والحقيقة أن لا عمل فوق الجهاد كما قال سبحانه: " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة" فالجهاد إذا لم يتم تنتهى دولة المسلمين وتموت بينما بر الوالدين من الممكن أن ينتظر يوم أو أكثر وأما الفهم المعلوط فالرواية الثانية يبدو فيها الرسول (ص) يعلم من خلال حياته بين المسلمين أن الابن الذى أراد الجهاد هو المسئول عن العناية بوالدين العجوزينوليس له غيرهما ومن ثم أمره أن يجاهد فيهما والحق أن من أصعب الأمور على اف،سان أن يعتنى بوالد أو والدة مصابين بالنسيان وهو الذى أسموه مرض الزهايمر لن الوالدين فى تلك الحالة محتاجين للابن تماما فى الأكل والشرب والتبول والتبرز لأنهما يعودان إلى فترة الرضاعة حيث ينسون الأكل والشرب والتبول والتبرز وكل شىء أخر حتى اسم الولد نفسه ولذا فهم بحاجة إلى من يطعمهم ويسقيهم ويدخلهم الحمامات ويحممهم وذكر الخطيب رواية أخرى حيث قال : "وعنه أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد)) [رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني ." والرواية لم يقلها النبى(ص) فسخط الله مربوط بعصيان الإنسان الله ورضا الله مربوط بطاعة الإنسان لله وليس مربوطا بالوالدين لأن الوالد أو الوالدة قد يكونان كفرة أو أحدهما كافر كآزر والد إبراهيم(ص) الرضا والسخط إذا مربوطان بطاعة وعصيان أحكام الله وليس بألآ شخص مهما كانت مكانته وقال : "وعن معاوية بن جاهمة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لرسول الله: أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك أم؟ قال: نعم، قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها)) [رواه النسائي وابن ماجه بإسناد لا بأس به]." والرواية هى الأخرى تعارض كتاب الله ولذا لم يقلها النبى(ص) لأن الجنة تحت أرجل الأمهات أى أنها فى الأرض التى تدوس عليها النساء وهو ما يعارض أنها فى السماء عند سدرة المنتهى كما قال سبحانه: " عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى" وتناول الخطيب حكايا وروايات من هنا وهناك عن بر الوالدين حيث قال : "عباد الله .. بر الوالدين من أعظم القربات وأجل الطاعات، وببر الوالدين تتنزل الرحمات وتكشف الكربات. ولما علم سلفنا الصالح بعظم حق الوالدين، قاموا به حق قيام، وسطروا لنا صفحات مشرقة من البر . كان أبو هريرة - رضي الله عنه - إذا أراد أن يخرج من دار أمه وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أمتاه ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته، فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول: ورحمك الله كما سررتني كبيرا، ثم إذا أراد أن يدخل صنع مثل ذلك. وهذا محمد بن سيرين التابعي الإمام رحمه الله كان إذا كلم أمه كأنه يتضرع .. قال ابن عوف: دخل رجل على محمد بن سيرين وهو عند أمه، فقال: ما شأن محمد أيشتكي شيئا؟ قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عند أمه. وهذا أبو الحسن علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنهم كان من سادات التابعين، وكان كثير البر بأمه حتى قيل له: إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها. وهذا حيوة بن شريح، وهو أحد الأئمة ، يقعد في حلقته يعلم الناس ويأتيه الطلاب من كل مكان ليسمعوا عنه، فتقول له أمه وهو بين طلابه: قم يا حيوة فاعلف الدجاج، فيقوم ويترك التعليم. هذه بعض نماذج بر السلف لآبائهم وأمهاتهم، فما بال شبابنا اليوم يقصرون في بر آبائهم وأمهاتهم، وربما عق أحدهم والديه من أجل إرضاء صديق له، أو أبكى والديه وأغضبهما من أجل سفره أو قضاء متعته ." وتناول الخطيب مشكلة يومية فى حياتنا وهى رضا الزوجة ورضا الوالدين حيث قال : "وكم نجد ونسمع من يلتمس رضا زوجه ويقدمه على رضا والديه . إنها حقا صورة من صور العقوق، حين يدخل الزوج على والديه عابس الوجه مكفهر الجبين، فإذا دخل غرفة نومه سمعت الأم الضحكات تتعالى من وراء باب الحجرة، أو يدخل ومعه هدية لزوجته، ولا تحلم أمه بأي هدية منه ." والخطيب بين أنه يريد من كلامه أن يعطى الرجل الوالدين والزوجة حقوقهما معا ولا يقصر فى حق أى منهما حيث قال: "يا أخي .. نحن لا ندعوك إلى الجفاء مع زوجتك أو الإساءة إليها، بل ندعوك إلى أن تؤتي كل ذي حق حقه . ثم قل لي: من أحق بالبر؟ هذه الأم المسكينة هي سبب وجودك، هي التي حملتك في بطنها تسعة أشهر، وتألمت من حملك، وكابدت آلام وضعك، بل وغذتك من لبنها، وسهرت ونمت، وتألمت لألمك، وسهرت لراحتك، وحملت أذاك وهي غير كارهة، وتحملت أذاك وهي راضية، فإذا عقلت ورجت منك البر عققتها؟ فالله الله أيها الأحبة ببر والدينا، وأن نسعى لإرضائهما وإسعادهما في هذه الدنيا، ليسعدنا الله ويجمعنا بهما في الجنة ." ومما يجب الكلام عنه: أنه لا تجوز المقارنة بين زوجة وأم ولا بين زوجة ووالدين فالمقارنة تجوز بين الأشباه أى زوجة وزوجة أو ابن وابن أو أخ وأخ والحالة أم وزوجة أو والدين وزوجة ليس فيها مقارنة لأن الحقوق مختلفة وينبغى القيام بالاثنين ولكن على كل زوجة أن تعلم أنها فى حالة النسيان من قبل الأبوين يجب عليها أن تصبر على زوجها من خلال تقضية معظم الوقت مع والديه لأنهما بحاجة إليه وهى حاجة العاجز إلى السليم فكما أن عليها أن تقضى مع طفلها الرضيع وقتا عظيما كذلك على الزوج أن يقضى مع والديه اللذين انتكسا معظم وقته وتناول الخطيب أن الناس يعلمون كلهم بوجوب بر الوالدين وأن المطلوب هو تنفيذه وليس مجرد العلم حيث قال : "أيها الأخوة المؤمنون .. نحن في الواقع لا ينقصنا العلم بالنصوص الواردة في الكتاب والسنة في فضل بر الوالدين، وأن عقوقهما من كبائر الذنوب. وإنما ينقصنا العمل بما نعلم .. ينقصنا شيء من المبادرة والاهتمام ، وعدم الغفلة عن مواضع البر مع زحمة الأعمال الدنيوية، كزيارة الوالدين وتفقد أخبارهما والسؤال عن أحوالهما وسؤالهما عن حاجتهما . وينقصنا كذلك الخوف من مغبة وعقوبة العقوق ." وتناول عقوبة العاق من خلال الكلام الذى نتداوله على ألسنتنا وهى تعجيل عقوبة العاق دنيويا حيث قال: "أيها العاق .. لا تغتر بحلم الله عليك .. فإنك مجزي بعملك في الدنيا والآخرة. يقول العلماء: كل معصية تؤخر عقوبتها بمشيئة الله إلى يوم القيامة إلا العقوق، فإنه يعجل له في الدنيا، وكما تدين تدان. ذكر بعض أهل العلم أن رجلا حمل أباه الطاعن في السن، وذهب به إلى خربة فقال الأب: إلى أين تذهب بي يا ولدي، فقال: لأذبحك فقال: لا تفعل يا ولدي، فأقسم الولد ليذبحن أباه، فقال الأب: فإن كنت ولا بد فاعلا فاذبحني هنا عند هذه الصخرة فإني قد ذبحت أبي هنا، وكما تدين تدان." بالطبع هذه حكايات ليست من الشرع وإنما اخترعها البعض لتخويف العقاق فليس كل من عق والديه بالضرورة أن يعقه أولاده فقد تنتج ذرية صالحة من الأب الفاسد ترعاه وتبر به بدليل أن الله أمر الأبناء المسلمين ببر والديهم الكفار حيث قال : " وصاحبهما فى الدنيا معروفا" وهناك كلمة يجب أن تقال وهى للأسف لا تقال للعاق وهو أنه كافر والخطباء وغيرهم يخففون من ذلك باطلاق اسم العاق عليه وكذل لك على السارق والزانى وغيرهم مع أنه لا يزنى الزانى وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن ولا يفعل ذنب وهو مؤمن وطالب الخطيب الحضور أن يعاهدوا أنفسهم على بر والديهم وأن يتوب من هو عاق منهم حيث قال : "إني أدعو نفسي وإياكم أيها الإخوة ألا نخرج من هذا المكان المبارك إلا وقد عاهدنا الله على بر والدينا، وأن من كان بينه وبين والديه قطيعة أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم، ومن كان مقصرا في بر والديه أن يبذل ما بوسعه في برها وإسعادها."